والتداعيات الاقتصادية
ا.د. سامي عوض محمد
ا.م.د. علي عبد الهادي عبد المجيد
جامعة الانبار – مركز دراسات الصحراء
الملخص:
تُعد الحمى النزفية من الأمراض الفيروسية الخطيرة التي تهدد الصحة العامة والصحة البيطرية. تنتقل بعض أنواعها من الحيوانات، خاصة الأبقار، إلى الإنسان مسببة أعراضًا خطيرة قد تصل إلى الوفاة. يمثل فيروس حمى القرم-الكونغو النزفية (CCHF) أبرز مسببات هذا المرض المرتبط بالأبقار. كما تسهم هذه الحمى في خسائر اقتصادية جسيمة تؤثر على الأمن الغذائي والتجارة الحيوانية. تهدف هذه الدراسة إلى تسليط الضوء على آلية انتقال المرض، أعراضه لدى الإنسان، وطبيعته في الأبقار، إلى جانب الآثار الاقتصادية المترتبة عليه، وطرق الوقاية الممكنة.
المقدمة:
الحمى النزفية الفيروسية (VHFs) مجموعة من الأمراض التي تسببها فيروسات تنتمي إلى عائلات مختلفة، تتميز بقدرتها على إحداث نزيف داخلي وخارجي وفشل في وظائف الأعضاء
وقد تؤدي إلى الوفاة. تتواجد هذه الفيروسات في مناطق مختلفة من العالم، وترتبط غالبًا بنواقل حيوية مثل القراد أو البعوض. من بين هذه الأمراض، تبرز حمى القرم-الكونغو النزفية (CCHF) باعتبارها مرضًا حيواني المنشأ (Zoonotic) ينتقل من الأبقار إلى الإنسان، ويُعد من الأمراض الواجب الإبلاغ عنها دوليًا وفقًا لمنظمة الصحة العالمية (WHO).
العامل المسبب وانتشاره:
فيروس حمى القرم-الكونغو النزفية (CCHF) ينتمي إلى عائلة Nairoviridae، جنس Orthonairovirus. ينتشر بشكل أساسي في المناطق المدارية وشبه المدارية، ويعد واسع الانتشار في أفريقيا، آسيا، البلقان، الشرق الأوسط، وأجزاء من أوروبا الشرقية. ويعيش الفيروس في الطبيعة ضمن دورة تشمل القُراد (خاصة نوع Hyalomma spp.) كمضيف وناقل، بينما تشكل الأبقار والماعز والأغنام مضيفًا وسيطًا مهمًا.
الفيروس قادر على البقاء في القُراد مدى الحياة وينتقل إلى الإنسان إما عبر اللدغ أو عن طريق ملامسة دم أو أنسجة حيوان مصاب، خاصة خلال عمليات الذبح أو التقطيع.
طرق انتقال المرض إلى الإنسان
ينتقل فيروس CCHF إلى الإنسان من خلال عدّة طرق:
1. اللدغ المباشر من القراد المصاب، خاصة المزارعين، الرعاة، أو العاملين في نقل الحيوانات.
2. الاتصال المباشر بدم أو إفرازات أو أنسجة حيوانات مصابة، سواء أثناء الذبح أو المعالجة البيطرية.
3. الانتقال بين البشر، عن طريق ملامسة سوائل الجسم لشخص مصاب (مثل الدم، أو البول)، ويحدث ذلك غالبًا في المستشفيات.
4. تناول لحوم أو ألبان غير مبسترة أو غير مطهية جيدًا من حيوانات حاملة للفيروس.
الأعراض والمضاعفات عند الإنسان
تتراوح فترة الحضانة بين يومين إلى 9 أيام، حسب طريقة انتقال العدوى، وتبدأ الأعراض على النحو التالي:
ا. حمى مفاجئة
ب. صداع شديد
ج. آلام في العضلات والمفاصل
د. دوخة ودوار
هـ. اضطرابات هضمية (غثيان، إسهال)
و. نزيف جلدي وتحت الجلد، ونزف من الأنف أو اللثة أو الجهاز الهضمي
ح. اضطرابات كبدية (ارتفاع في أنزيمات الكبد)
ط. في الحالات الشديدة: فشل كلوي أو كبدي، وفاة
معدل الوفيات: يتراوح بين 10% و30% من الحالات، وقد يزيد في حال تأخر التشخيص أو
سوء الرعاية الصحية.
دور الأبقار في انتقال المرض
الأبقار، رغم أنها لا تُظهر أعراضًا سريرية عادةً، فإنها تلعب دورًا مهمًا كمضيف للفيروس. بعد العدوى، يبقى الفيروس في الدم لفترة تتراوح من 5 إلى 14 يومًا، يكون خلالها الحيوان قادرًا على نقل العدوى للقراد أو الإنسان. لا تظهر على الأبقار علامات واضحة، ما يصعب كشف العدوى مبكرًا.
بعض الدراسات أشارت إلى احتمال تأثر الإنتاج الحيواني في حالة إصابة قطيع بأكمله، حيث لوحظ:
ا. انخفاض في إنتاج الحليب
ب. اضطراب الخصوبة والإجهاض في الأبقار الحوامل
ج. تغيرات في سلوك التغذية
الأضرار الاقتصادية
تمتد التأثيرات الاقتصادية إلى عدة جوانب:
1. الخسائر المباشرة:
ا. تراجع الإنتاج الحيواني (حليب، لحوم)
ب. فقدان حيوانات نتيجة النفوق أو الذبح الوقائي
ج. نفقات التطهير ومكافحة القراد
د. كلفة الفحوصات المخبرية والتطعيمات
2. الخسائر غير المباشرة:
ا. توقف صادرات اللحوم ومنتجات الأبقار من المناطق الموبوءة
ب. خسائر في قطاع السياحة البيئية والزراعية
ج. إغلاق الأسواق المحلية والدولية بسبب الحظر الصحي
د. الكلفة الاجتماعية والعلاجية للمصابين من البشر، خاصة في المناطق الريفية
في تقرير اقتصادي عن حمى الوادي المتصدع (مرض مشابه)، بلغت خسائر كينيا عام
2007 ما يعادل 32 مليون دولار أمريكي، مما يوضح مدى الأثر المحتمل للحمى النزفية
على اقتصادات الدول النامية.
التدابير الوقائية والمكافحة
للحد من انتشار المرض، توصي الهيئات الصحية والبيطرية بالتدابير التالية:
1.مكافحة القراد بانتظام في الحيوانات باستخدام الأدوية
2. تجنب الذبح خارج المسالخ الرسمية، مع تطبيق شروط الصحة العامة.
3. ارتداء معدات الوقاية الشخصية (PPE) للعاملين في المزارع والمسالخ.
4.الحجر الصحي للحيوانات الجديدة قبل إدخالها إلى القطيع.
5. التثقيف الصحي للمزارعين والجزارين حول المخاطر وطرق الوقاية.
6. الفحص المخبري الدوري للحيوانات في المناطق المتأثرة.
7. التبليغ الفوري عن الحالات إلى الجهات البيطرية والصحية.
حتى الآن، لا يوجد لقاح فعال مرخص للاستخدام البشري بشكل واسع، ويقتصر العلاج على
الرعاية الداعمة.
الخاتمة
الحمى النزفية عند الأبقار، وعلى رأسها حمى القرم-الكونغو، تمثل تهديدًا خطيرًا يتطلب تعاونًا متعدد القطاعات ضمن مفهوم الصحة الواحدة (One Health). إن الوقاية والسيطرة تتطلب تكاملًا بين الطب البيطري، والصحة العامة، والتوعية المجتمعية. كما أن الأبعاد الاقتصادية للمرض تفرض على الحكومات والهيئات الدولية مزيدًا من الجهد لرصد المرض ومكافحته في بؤر انتشاره.
المراجع:
1. Ergönül, O. (2006). Crimean-Congo haemorrhagic fever. The Lancet Infectious Diseases, 6(4), 203-214.
2. World Health Organization (WHO). (2022). Crimean-Congo haemorrhagic fever. Retrieved from.
4. Spengler, J. R., Bergeron, É., & Rollin, P. E. (2016). Seroepidemiological studies of Crimean-Congo hemorrhagic fever virus in domestic and wild animals. PLOS Neglected Tropical Diseases, 10(1).
5. Rich, K. M., & Wanyoike, F. (2010). An assessment of the regional and national socio-economic impacts of the 2007 Rift Valley Fever outbreak in Kenya. The American Journal of Tropical Medicine and Hygiene, 83(2 Suppl), 52–57.